arenfrfaestr

ذاكرة المكان والانسان في الاغنية الشعبية الفلسطينية

د. عودة رشماوي - أكاديمي وباحث في التراث الموسيقي - فلسطين

 

مقدمة

تعتبر الأغاني الشعبية الفلسطينية دعامة من دعائم الثقافة الوطنية، وكل فلسطيني مطالب أكثر من غيره بالحفاظ على هذا الكنز التاريخي العظيم وتدوينه ودراسته وتحليله ونشره بجميع مكوناته المادية وغير المادية ليجعل له ارتباطاً بيئياً ومكانياً بالأرض التي هُجِّر منها الشعب الفلسطيني.

يحفظ الفلسطيني الألحان والأغاني الشعبية في ذاكرته أينما وجد، سواء في الوطن او في أماكن الشتات الموزعة على بقية دول العالم، بل يغنيها ويحافظ عليها من الاندثار ليتوارثها جيلاً بعد جيل. وتحظى الأغاني الشعبية الفلسطينية بحب وإعجاب أجيال عمرية مختلفة بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي اتخذ من الحجر في الانتفاضة الاولى وسيلة في الدفاع عن حقه في أرضه ووطنه مجسداً المكان؛ زقاقاً؛ مخيماُ؛ شارعاً؛ قريةً؛ حارةً؛ مدينةً كحاضنة لهذا الحجر الثائر في وجه الظلم والطغيان.

وتعد الأغنية الشعبية أحد عناصر التراث الفلسطيني التي تعبر عن منظومة القيم النضالية التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني في سبيل إحقاق الحقوق الوطنية والتخلص من الاحتلال الصهيوني.

وتتعدد أشكال الأغنية الشعبية بتعدد المناسبات والزمان والمكان والمواقف التي نظمت من أجلها، فنجد أغاني ثورية وأخرى للحصاد وأغاني الهجاء والرثاء وللأعراس وغيرها.

إن معرفة تراثنا وثقافتنا والتمسك بكل أغنية شعبية ولوحة فنية وموال ولحن - يربطنا كشعب فلسطيني بالأرض بالمكان والزمان الذي اقتلعنا منه، إنه موضوع في غاية الأهمية.

تقسم الموسيقى الشعبية الفلسطينية إلى خمسة أنواع:

1-الموسيقى الغنائية، وتعتبر حنجرة المغني الأساس في الغناء فقط.

2-الموسيقى الآلية، وتعتبر الآلات الموسيقية مؤدية لهذا العمل فقط.

3-الموسيقى الغنائية والآلية، الدمج بين الغناء والاداء الموسيقي لتلك الآلات.

4-الموسيقى الآلية الراقصة، عزف بمصاحبة الرقص الايقاعي.

5-الموسيقى الآلية والغنائية الراقصة، هنا يجتمع العزف والغناء والرقص معاً.

ومن أهم المقامات العربية المستخدمة في الموسيقى والغناء الشعبي الفلسطيني: مقام البياتي، مقام الراست، مقام النهاوند، مقام السيكاه، مقام الدوكاه، مقام الهزام، مقام الصبا، مقام الحجاز والحجاز كار كرد[1].  ويعد الإيقاع في الموسيقى الشعبية الفلسطينية أحد مصادر القوة والتلوين.

وأغلب الإيقاعات تكون بسيطة غير مركبة، وتسيطر الآلات الإيقاعية على مجمل عناصر العمل الموسيقي كالغناء والعزف والرقص.

وأهم الآلات الإيقاعية التي تستخدم في فلسطين بشكل عام: الدربكة او الطبلة، الطبل الكبير، الدف، المهباش، المزهر، الصاجات النحاسية. بمختلف الاحجام.

خصائص الأغنية الشعبية FOLKSONG

تتعدد أشكال الاغنية الشعبية وتمتاز بالخصائص التالية:

  • ان تكون الأغنية الشعبية شائعة.
  • تنتقل الأغنية الشعبية عن طريق الرواية الشفوية، لذلك هناك نصوص عديدة للأغنية نفسها.
  • لا يوجد للأغنية الشعبية نص مدون، سواء لحناً او نصا شعرياً.
  • تحافظ الأغنية الشعبية على الديمومة، فتبقى محفورة في ذاكرة الشعب.
  • الأغنية الشعبية تربط الماضي بالحاضر لذلك نجدها مرنة.
  • الأغنية الشعبية تعبر عن الزمان والمكان الذي عاش فيه الإنسان الفلسطيني.

 

أنواع الأغاني الشعبية

  • الموال (البغدادي له 4 ابيات، الأعرج له 5 ابيات، النعماني أو السبعاوي له 7 ابيات).
  • أغاني الأطفال
  • أغاني الخطبة والزواج
  • أغاني العمل (الأرض، البناء، الحقل، حديقة البيت - تركز على عامل المكان)
  • الأغاني الدينية
  • أغاني الحصاد (موسم قطف الزيتون، موسم اللوز الاخضر، التين، القمح وغيرها)
  • الأغاني التي توثق وتحفظ المكان في ذاكرتنا (أغنية وين عَ رام الله).

أهم العوامل التي ساهمت في انتشار الأغنية الشعبية الفلسطينية في الوطن والشتات تتلخص في الظروف التي عاشها أبناء الشعب الفلسطيني من غربة وألم ومعاناة وحنين وشوق للوطن والتطلع نحو الحرية والاستقلال، حيث تولُد هذه الظروف أحاسيس مشتركة نجد تعبيرها في الأغنية الشعبية التالية التي يظهر في كلماتها جلياً عامل المكان (البيت، القرية)، وعامل الإنسان الثوري، الفدائي الذي يستطيع أن يحرر الأرض من الاحتلال:

يا يما في دقة عَ بابنا           يا يما هاي دقة أحبابنا

يا يما هاي دقة قوية           يا يمة دقة فدائية

يا يما عشاق الحرية          يا يما دقوا ع بوابنا

وأيضاً هناك كلمات لأغنية شعبية تدل على المكان (مدن فلسطينية مثل أريحا ويافا) والإنسان الفلسطيني، وعامل الزمن (مهما طال الزمان رح ترجع فلسطين).

مهما طال عتم الليل                   بتجليه شمس الحرية

مهما طال الليل وطال                وغطى سواده ع الأطلال

عنا في الوطن ابطال                 بتعيد شمس الحرية

لأجل الزيتونة والتوت               وأشجار المندلينا

بدنا نحارب حتى نموت             أو ترجع فلسطينا

ومن الأغاني الشعبية المشهورة في كل أنحاء فلسطين والشتات التي ترمز إلى مدينة رام الله كمصيف جميل يدل على عامل المكان المحبب إلى قلب كل إنسان فلسطيني أينما وجد، أغنية وين ع رام الله:

كلمات: الاديب الأردني رشيد زيد الكيلاني

ألحان: جميل العاص

غناء: سلوى العاص

المكان: الإذاعة الأردنية- القدس- رام الله 1959م

وين ع رام الله وين ع رام الله               ولفي يا مسافر وين ع رام الله

ما تخاف من الله ما تخاف من الله           سرقت قليبي ما تخاف من الله

وين يا حبيبي وين يا حبيبي                 تاركني ورايح وين يا حبيبي

حظي ونصيبي حظي ونصيبي            ريتك من الله حظي ونصيبي

كلمات أخرى على نفس اللحن (المكان- اسم مدينة او قرية فلسطينية):

وين عالخليلِ وين عالخليلِ               تاركني ورايح وين عالخليلِ

وانا الاصيلِ وانا الاصيلِ                  يا ريتك تعرف إني الاصيلِ

 

ومن الآلات الموسيقية الشعبية الفلسطينية:

الربابة: آلة وترية ذات القوس (هناك وادي الربابة يقع إلى الجنوب من المسجد الأقصى ويعد من أحياء بلدة سلوان المقدسية، سمي وادي الربابة بهذا الاسم لأنه ضيق من الأعلى ويبدأ بالاتساع تدريجياً باتجاه الأسفل وهو مشابه لآلة الربابة الموسيقية الشعبية القديمة).

المجوز: آلة نفخ مصنوعة من القصب (البوص) ولها ست فتحات مزدوجة.

اليرغول[2]: آلة نفخ مصنوعة من القصب، حجمها وطولها أكبر من المجوز.

الشبابة: آلة نفخ مصنوعة من جذوع الأشجار والنباتات اللينة[3] ولها ستة ثقوب وطولها يبلغ ما بين 40-45 سم. وتعتبر من الآلات القديمة التي عرفها الانسان.

السمسمية: آلة وترية نقرية، تحمل بيد وتنقر أصابع اليد الأخرى بأوتارها لاستخراج النغمات وتعد آلة البحر والصيادين لسهولة حملها في مراكب الصيد، وجاءت اإينا عن طريق البحر الأحمر والمتوسط وتتواجد هذه الآلة عند بدو فلسطين القريبين من سواحل البحر الميت والأغوار وأيضاً لدى أهالي قطاع غزة.

آلات ايقاعية مثل الطبل الكبير والبازة[4] (طبلة المسحراتي) والطبلة الفخارية القديمة ذات وجه من جلد الماعز أو الغنم.

ومن الملاحظ وجود آلات موسيقية مستخدمة لغاية اليوم بين سكان القدس الأصليين وبالتحديد في منطقة باب حطة في القدس القديمة مثل آلة البزق العربي التي تستخدم في مناسبات عديدة وفي سهرات الأفراح للجالية الفلسطينية من أصول إفريقية والتي تسكن في باب حطة وما زالت تحافظ على عاداتها وتقاليدها إلى يومنا هذا.

خاتمة

شاركت الأغنية الشعبية الفلسطينية في كل الأوقات والاحداث بتجسيد المعاناة التي مر بها الشعب الفلسطيني من تهجير وقتل وتدمير وكل ما يرمز الى المكان والإنسان الفلسطيني بهدف محو الذاكرة التاريخية في كل فلسطين من البحر إلى النهر.

 


[1]  مقامات عربية مستخدمة في الموسيقى الشعبية الفلسطينية

[2] تتكون من قطعتين: لعَابة ودوَاية لاستمرارية صدور الصوت.

[3] ممكن عمل شبابه من معدن النحاس أو الألمنيوم أو حتى البلاستيك المقوَى.

[4] طبلة حجمها صغير تحمل باليد اليسرى وتربط بواسطة قشاط صغير لتثبيتها ويضرب عليها بواسطة عصا صغيرة باليد اليمنى.

Rate this item
(1 Vote)
مجلة الموسيقى العربية

مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.

https://www.arabmusicacademy.org

link

 

ama

اشترك في قائمتنا البريدية

Please enable the javascript to submit this form

هل أصداء المهرجانات الموسيقية أبعد من صدى موسيقاها؟
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
Total Votes:
First Vote:
Last Vote:
Copyright © 2012 - ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved, Designed and Powered by ENANA.COM