arenfrfaestr

في ذكرى الرحيل: حسن عريبي وفن الموشح

بقلم د. عبد الستار العريفي سالم بشيه (قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة طرابلس)

هذه وقفات مع أعمال لحنية في فن الموشحات قدمها الفنان الموسيقار القدير المرحوم حسن عريبي في رحلته في عالم النغم الموسيقى والتراث، مع الفن والأصالة. عريبي عضوا مؤسسا للمجمع العربي للموسيقى (جامعة الدول العربية)، عريبي مدافعا عن أصالة الغناء العربي والأغنية العربية في جميع أشكالها، وفي ذكرى رحيله الواقعة في 19 نيسان/أبريل 2009م، ربما تكون الذكرى عبقة بشذى بعض سيرته وأعماله الفنية تخليدا لآثاره الفنية، فالغياب الجسدي لم يغيبه روحا، ولم يُنْسِهِ لحنا عذبا نديا، تطرب له النفوس وتهتز له الأرواح عبر قنوات التواصل المختلفة وتشنيف ألحانه المسامع.

 

f01a.jpg

 

كان لكاتب هذه الكلمات وقفات مع أعمال حسن عريـبي في مجال فن المالوف الليبي ضمن كتاب (فن المالوف في ليبيا) حيث تناول فيه تسجيلات فرقة المالوف والموشحات والألحان العربية بقيادة الفنان عريبي نفسه، وقام بإلقاء الضوء على بعض المسائل وعرضها وتحليلها انظر: فن المالوف في ليبيا، 1/411 ، وتعد هذه الجولة هي الجولة الثانية مع فنان قدير شهدت له آذان السميعة، والأذواق الرفيعة، على المستوى المحلي والدولي، برفعة مقامه في فن تلحين الموشحات، والقصائد الدينية، حيث أولى تلحين الموشح اهتمامه الكبير، ولا عجب فإن كل موشح من موشحاته التي قام بتلحينها يعد مدرسة في فن الموشح، لما قدمه فيه من افتنان في استعمال المقامات، وبراعة في التكملات النصية، من آهات، وأمانات، وجوانم، وفواصل موسيقية، واستعماله أسلوب التكرار داخل النص الأدبي، أو في اللحن الموسيقي، كما كان لتعبيره بنبرات صوته الرقيقة المتلونة والرائعة النابضة بالحيوية على بعض الكلمات والحروف، وإحساسه المرهف بذلك دور كبير في العمل الموسيقيِّ، فيؤدي ذلك كله إلى تقوية المعنى، وهذه وقفات مع المرحوم حسن عريبي في أعماله اللحنية في موشحاته، فهي رحلة مع النغم والتراث والأصالة، ورحلة بين النغم والنصوص.

f01b.jpg

 

كان للأستاذ حسن عريبي مرحلتان في تلحين فن الموشح، لكل مرحلة ظروفها الخاصة بها، فالمرحلة الأولى: هي مرحلة فرقة الإذاعة للمالوف والموشحات التابعة للإذاعة الليبية، التي تأسست سنة 1964م، وأعماله فيها طبعت في كتيب المقتطفات القديم للفرقة، فكانت على شكل وصلات توشيحية، نسبت كل وصلة إلى موشحها الأول: طرز الريحان، يا فريد العصر، فيك كلما أرى حسن، يا لؤلؤا، أحن شوقا، العذارى المائسات، باسم عن لآل، فهي سبع وصلات؛ بمجموع واحد وعشرين موشحا، في مقامات مختلفة، وإيقاعات متنوعة، وأساليب جميلة رائعة، وبالرغم من علو طبقته في تلحينه لهذه الموشحات، فإن بعضها اتسم بالبساطة في بعض جوانبها كالمقدمات الموسيقية مثلا، وربما بساطتها تلك كانت سببا في نجاحها، وقد أعيد تسجيلها ضمن طبعة التسجيلات الأخيرة لبرنامج الفرقة، وبعضها مسجل بطبعة التسجيلات القديمة لفرقة الإذاعة الليبية في نهاية ستينيات القرن الماضي، وأوائل سبعينياته، وبعضها مسجل مرئي ومسموع.

f01c.jpg

 

كما تجدر الإشارة إلى أن أعمال هذه الفرقة قد استعملت في السهرات الفنية في أفراح مدينة طرابلس على وجه الخصوص لما نالته من استحسان عند جمهور الفن الطرابلسي؛ فاستفتحت بها سهرات الأفراح في طرابلس، كوصلة طرز الريحان، أو أحن شوقا، كما استخدم بعضها في حلقات الذكر في زوايا الطريقة العيساوية انظر: كتاب فن المالوف في ليبيا، 1/426، وبخاصة في زواية العمروص الكائنة بمنطقة سوق الجمعة – طرابلس- ليبيا ؛ بسبب انتماء بعض أفرادها لفرقة حسن عريبي، وهو أحد روادها المواظبين على حضور حلقاتها، كما شاركت بأدائها بعض الفرق الأهلية في المهرجانات، المحلية والدولية.

أما المرحلة الثانية فكانت تلحينه مجموعة وصلات توشيحية: سل في الظلام، طالع الأفراح، ياخلي البال، نزهة الأرواح، الهوى العذري، دولة الإسعاد، وهذه سبع أخرى، بمجموع واحد وعشرين موشحا أيضا، وهي مرحلة أكثر نضجا في المستوى التلحيني، اتسمت بتنوع إيقاعاتها، وأسلوب تلحينها، والتلوين فيها، كاستخدام الحوارية في أداء النص الأدبي مع الكورس، واستعماله مقامات موسيقية لم تستخدم في المرحلة الأولى، على أن مقام البياتي قد طغى على المرحلتين.

كما سمعنا للأستاذ حسن عريبي ألحانا أخرى قدمها للفرقة منها وصلة مقام الجهاركاه: غصن بان جبينه بدر، هل درى ظبي الحمى، باسم عن لآل، يا غزالا بين غزلان اليمن، جادك الغيث.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض النصوص الملحنة، ليست من فن الموشح الذي اخترعه أهل الأندلس المعروف ببنية مخصوصة على حد تعبير ابن سناء الملك في دار الطراز: ((كلام منظوم على وزن مخصوص))دار الطراز في عمل الموشحات، ص32.بل بعضها ليست من بنية الموشح المشرقية أيضا، وهذا اضطراب مصطلحي واقع عند كثير من أهل هذا الفن، وعلى سبيل المثال: ما لمسناه في (سَفِينَةِ المُلْكِ ونَفِيسَةِ الفُلْكِ) للشيخ شهاب الدين المصري الأعلام للزركلي: 6/38 ، و(الموسيقيِّ الشرقي) لمحمد كامل الخُلَعِي الأعلام للزركلي: 7/12 وغيرهما؛ لأن بعض ما ورد فيها من الشعر الفصيح السائر على طريقة العرب الشعرية، والأوزان التي وضع قواعدها الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت176هـ).

 

f01d.jpg

 

أما تبعيته لفن الموشح فاكتسبها النص الشعري من دخوله فن الغناء، وأخذه بعض صفات الموشح، كأسلوب تلحينه والمقامات المستعملة والإيقاعات أيضا، وعلى سبيل المثال: وصلة (يا لؤلوا) فهي نصوص شعرية، تكونت من ثلاثة نصوص أندلسية، النص الأول: (يا لؤلوا)، لابن عبد ربه، والنص الثاني: (ودع الصبر محب) من شعر ابن زيدون، والنص الثالث: (ليت شعري هل دروا) مما نسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن من أسباب الخلط بين النصوص الشعرية ونسبتها للموشحات، ما يرجع إلى:

1-     وجود هذه النصوص في سفن الموشحات المغناة، مثل سفينة شهاب، والموسيقيِّ الشرقي، والمغنى المصري وغيرها.

2-     تلحينها في مقامات موسيقية، وإيقاعات وزنية مستخدمة في فن الموشحات الشرقية.

3-     وجود التكملات الغنائية المستخدمة في فن الموشحات مثل: الآمانات، والجوانم، والليليات، والآهات وغيرها.

ومما يلفت النظر أن أغلب الموشحات التي قام بتلحينها حسن عريبي لها ألحان قديمة؛ بل بعضها لها أكثر من لحن قديم رائع، كما قدم عريبي أكثر من لحن لنص واحد، منها: (هل درى ظبي الحمى)، فما هو السبب الذي دعاه إلى تلحينها يا ترى؟ ففي رأيي المتواضع: أن أول سبب هو إعجاب الملحن بالنص الأدبي، وهذا سبب مهم في ذلك، فالملحن كما عُرِفَ عنه أنه ذو ذائقة فنية رفيعة في اختياره للنصوص الأدبية، فاختيار المرء قطعة من عقله -كما قيل- وهذا ما لمسناه عن قرب في اختياراته لما ينشده في حلقات الذكر العيساوي في زوايا طرابلس، وفي المناسبات الاجتماعية عند قراءة قصة المولد البرزنجي، وهي قصة مولدية بنيت على أسلوب سجعي، وهي مستعملة في بقاع كثيرة من بقاع العالم الإسلامي بطرائق متنوعة في القراءة، ألفها الإمام جعفر البرزنجي، مفتي الشافعية بالمدينة المنورة (ت1177هـ) الأعلام للزركلي: 2/123، والسبب الثاني- إضافة بعض اللمسات على الألحان التي استعملها ضمن وصلاته، والسبب الثالث- محاولة منه بالرقي بمثل هذا الفن الموسيقيِّ البديع، وقد تحقق ذلك المقصد في رأيي الخاص، لقلة خائضي مجاله في زمنه، والسبب الرابع- ضياع ألحان تلك النصوص المستعملة في أزمان غابرة، كما أشار الخلعي في كتابه الموسيقيِّ الشرقي، وأخيرها- من الأمور المسكوت عنها -كما يقال- فربما تكون للملحن أسبابه الخاصة في مثل هذه الحالة، أو تكون من الدوافع النفسية لدى أي فنان، أو مبدع، لتسجيل ذلك النشاط في ضمن مشاركاته الفنية، وتنوعها لدى الملحن، مما يزيده رتبة بين زملائه من أهل فنه، وهو ما عرف لدى النقاد بالتنوع، وهذا الأمر يجعل من المشارك في مجموعة من الفنون ميزة خاصة بين أرباب صناعته.

 

f01e.jpg

 

هذا عرض موجز لأعمال حسن عريبي يحتاج من الباحثين الوقوف، والتأمل في المطالع، والمقاطع، والتنقلات، والمراجعة في أسس المباني، والتدقيق في جواهر المعاني، وما أضفى اللحن الموسيقي والإيقاع الوزني عليها من محاسن وجماليات، تتبين ما لها من خصوصيات أدبية، وفنية، وموسيقية، ومما يجب التنبيه إليه أن جميع التسجيلات الآن موجودة على صفحات كثيرة من الشبكة الدولية، وبطرائق متنوعة مسموعة ومرئية، وبامتدادات مختلفة، وإمكانية تحميلها أو سماعها، وللكاتب وقفات معية تلك الوصلات، أنجز بعضها، وأُخْرى تحت الإنجاز، نحاول نشرها تباعا.

Rate this item
(1 Vote)
Last modified on الإثنين, 01 أيار 2023 11:41
مجلة الموسيقى العربية

مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.

https://www.arabmusicacademy.org

link

 

ama

اشترك في قائمتنا البريدية

Please enable the javascript to submit this form

هل تؤثر الموسيقى الآلية في وجدان الشعوب العربية مثلما تؤثر الأغاني؟
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
Total Votes:
First Vote:
Last Vote:
Copyright © 2012 - ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved, Designed and Powered by ENANA.COM