د. مهند العزة
إذا كان من نافلة القول لدى متذوقي الموسيقى وعشاقها - ناهيك عن المشتغلين بها - أن الموسيقى مرآة الشعوب التي تروي تاريخها وتعكس تطور أو تدهور مفاهيمها وأخلاقياتها وواقع حالها الاجتماعي والثقافي والسياسي والديني والاقتصادي، فإن ما لم ولن يتفق عليه عدد كبير من النقاد الموسيقيين وعلماء الاجتماع هو: مدى عقلانية وإمكانية ضبط الذوق العام في تذوق الموسيقى وفرضه من خلال القهر النقابي أو الجبر بقوة القانون.
لم يَخْلُ عصر حمل نسمات تغيير في الموسيقى من انتقاد واتهام بالافتعال والتغريب والانقلاب على الثوابت.. فالمتتبع لما جوبهت به أغاني سيد درويش وبديع خيري من نقد وهجوم لاذع من أساطين الطرب في مصر خلال الربع الأول من القرن الماضي، وكذلك السخط على بعض أغاني محمد عبد الوهاب التي تحمل طابعاً تجديدياً في ألحانها وإيقاعاتها مثل أغنية "جفنه علم الغزل" وغيرها في بواكير ثلاثينيات القرن الماضي؛ يدرك أن كلمة السرّ في الانقلاب على الثورة والثوران الفني تكمن في "التغيير" بما يحمله من جديد وتهديد لكل محافظ متعبّد في محراب الثوابت والتقاليد.
لطالما اتّهم محمد عبد الوهاب في بواكير مسيرته الفنية "بتغريب الأغنية المصرية والعربية"، والشيء نفسه بالنسبة للون الغنائي الذي بدأ عبد الحليم حافظ يقدمه في مطلع الخمسينيات بالتعاون مع ملحنين شبان في حينها مثل كمال الطويل ومحمد الموجي، وهكذا دواليك لتتأكد سنّة التغيير الذي تأبى طبيعته إلا المقاومة والمواجهة مع تيارات بعضها يرى فيه تهديدًا لمصالح تجذّرت ومكانة استقرّت عن جدارة أو "من فوق الجدار أو من تحته"، دون إغفال أنه قد يكون فعلاً لدى بعض الرافضين للتغيير والتغيّر الذي يطرأ على الموسيقى والفنون بوجه عام من حين لآخر؛ قناعةً حقيقيةً أن ما يحمله القادم الجديد يهدد الإرث الفني اتفقنا مع ذلك أو اختلفنا.
أياً ما كان الأمر، فإن الموسيقى بتقلباتها وتغيراتها ليست قراراً يتخذه فرد أو جماعة ثم يشرعون في تنفيذه، وإنما هي عملية تطور طبيعية تتولد من جماع تغير أكبر يحدث على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ثم يولّد بدوره اللون أو الشكل الجديد للموسيقى لتغدو نتاجاً لهذا التغيير وليست سبباً فيه.
حينما ظهر المطرب الشعبي أحمد عدوية في سبعينيات القرن الماضي وانتشرت أغانيه على نحو فاجأ البعض ممن ينظرون إلى الموسيقى بوصفها فناً منعزلاً عن بيئته الاجتماعية بديناميكيتها وحراكها المضطرد، وساعد على هذا الانتشار شيوع الأفلام الغنائية التي ظهر فيها عدوية ممثلاً ومطرباً مع كبار النجوم مثل سعيد صالح وسمير غانم وعادل إمام وإسعاد يونس.. ظنّ بعض الساخطين على اللون الغنائي الذي يقدمه أنه بوسعهم الحد من انتشاره وذيوع أغانيه من خلال مهاجمته بشكل شخصي والتنمر عليه والسخرية منه وتوصيفه واتهامه بـ "محدودية الثقافة، وإفساد الذوق العام، والإسفاف"، ليمضي عدوية في خط سيره حتى نهايته كما هو مرسوم ومحتوم بحكم الحاضنة الاجتماعية التي أرادت هذا اللون من الغناء وعززته قبل أن تتحوّل عنه لشكل آخر يعبر عن مرحلة جديدة من التغيّرات الطارئة على المجتمع في مختلف مناحيه.
بدأ نجم عدوية بالأفول ليصعد نجم حميد الشاعري وعلي حميدة وغيرهما من بعض مطربي ثمانينيات القرن العشرين الذين اختاروا لوناً "شبابيا" يحاكي ما شاع من ألوان موسيقية في بريطانيا وأمريكا مع تطويعها للسياق المحلي، وواكب ذلك محاولات من بعض كبار الموسيقيين لمجاراة هذا التغيير مع ضبطه في إطار يوازن بين رصانة المضامين وخفة الجمل الموسيقية وسرعتها، الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال أعمال فرقة "الأصدقاء" برعاية وقيادة الموسيقار الراحل عمار الشريعي وفرقة "المصريين" بقيادة الموسيقار هاني شنودة وفرقة "الفور إم" التي كوّنها الراحل عزت أبو عوف مع أخواته.
من المفارقات التي تؤكد على غلبة ذوق الجمهور حتى لو كان يستعذب المرّ ويعاف المعسول، أن ألبوم فرقة الأصدقاء تصدرته أغنية «الموضات»
https://www.youtube.com/watch?v=qYq9U5CXBps
على بساطة جملها الموسيقية المبنية على مقام الراست مع تحويلات بسيطة هنا وهناك، وهزلية وسطحية كلماتها الساخرة من الجديد والمتحسرة على الماضي البعيد، والتي يقول مطلعها:
"يوم بعد يوم بتجينا موضات ألوفات ألوفات
تبقى جديدة وبعد ساعات تبقالي موديل
آه يا عيني تبقالي موديل
في الفن والشارع والبيت أصل الإتيكيت
واللبس طبعاً لو حبيت
ومحبش ليه آه يا ليلي ومحبش ليه"
في حين لم تحظ أغنية «الحدود»
https://www.youtube.com/watch?v=ETtpAj9Eq_M
من الألبوم نفسه بالاحتفاء ولا حتى الانتباه، مع أنه –كما قيل- كان الراحل عمار الشريعي يراهن عليها بوصفها ستكون نقطة تحول وستحدث فارقاً ملحوظاً في صخب الأغاني «الشبابية» الذي اجتاح تلك الحقبة، هذا على الرغم من أن كلمات هذه الأغنية تتسم بعذوبة ورقة منقطعة النظير، حيث برع الشاعر عمر بطّيشة في توصيف المشاعر المختلطة التي تعتري المسافر المغترب وهو يعاين انسلال الأماكن والمناظر التي لم يعرف غيرها من تحته ببطء وثقل شديدين، ثم يبدأ باستعادة أحداث يومية عادية ليكتشف فجأةً أنها ذات قيمة عاطفية وإنسانية عظيمة. في المقابل، تفوّق عمار الشريعي – من وجهة نظري بوصفي مستمعًا ومتذوقا - ليس فقط على نفسه في تلحين هذه الكلمات، وإنما على غيره ممن سبقوه ولحقوا به من أساتذة الموسيقى العربية التعبيرية -إن جاز القول- حيث جاءت جمله الموسيقية تحمل مزيجاً من الخوف والحنين والتوتر والرومنسية، ابتداءً من صعود الطائرة الذي جسده بأسلوب يخطف القلوب، إذ يصعد بأذنك وقلبك من القرار المستقر إلى الجواب البعيد، مع توظيف مذهل للكمنجات لتصوير هذه الحالة. لقد صوّر عمار باقتدار حزمة المشاعر والأحاسيس التي تعتري المغترب لأول مرة وتفاعلها المنفلت من عقاله خلال اللحظات الأولى لابتعاد الطائرة عن أراضي الوطن، إذ تبدأ أحزان عميقة بتلبية دعوة لم توجه لها، بعضها مفهوم وجلّها غير معلوم، مع سيطرة شعور بالخوف من مستقبل شبه مجهول تتعذر مغالبته، وخيال مؤنس يسعى جاهداً لإعادة عقارب الساعة ولو ساعة ليتغيّر الحال قبل أن تقلع الطائرة وتشدّ الرحال. هذا الخوف وتلكم المشاعر والأحاسيس عاشها غالبية من تغرّبوا عن أوطانهم في رحلتهم الأولى، خصوصاً في حقبة الثمانينيات من القرن العشرين التي بدأت تزداد فيها وتيرة الهجرة والسفر دون أن تكون وسائل التواصل والاتصال قد شبّت عن الطوق بعد لتكسر الحدود وتختصر المسافات كما هو عليه الحال اليوم، وفي أغنية "سلامات سلامات يا حبيبنا يا بلديات" لتي ألف كلماتها الشاعر عبد الوهاب محمد ولحنها طه العجيل وغنتها ببساطة وإحساس عالي الفنانة نادية مصطفى؛ شاهد وتأكيد على ما نقول، إذ ظهرت في الفترة عينها.
جوبهت أغاني هذه الحقبة بحملة الانتقادات والتشويه ذاتها المستصحبة منذ الأزل، خصوصاً في ما يخص ما أنتجه حميد الشاعري وعلي حميدة وعمر دياب، وكذلك حنان ماضي ومنى عبد الغني وعلاء عبد الخالق، بعد أن أصدر كل منهم ألبوماته الخاصة عقب انفراط عقد فرقة الأصدقاء، حيث اتّهم الجميع بـ "تغريب الأغنية العربية، وتسطح الألحان والكلمات، وخواء المعاني وهشاشة المباني".
في لقاء مع الموسيقار محمد عبد الوهاب أجراه الشاعر والإذاعي عمر بطّيشة في إذاعة البرنامج العام سنة 1988 https://www.youtube.com/watch?v=mVhFQvCpVl8 سأله مباشرةً عن "موجة الأغاني الشبابية"، بل سأله تحديداً عن رأيه في أغنية "لولاكِ" التي "فرقعت وطرقعت" حال ظهورها، فجاء رد عبد الوهاب حكيماً مصقولاً بخبرة راكمتها السنون وبعد نظر عززته التجربة الغنية، فأجاب: "ثيمة" حلوة، لا أرفض هذا النوع من الغناء، فلكل عصر متغيراته ومجاله، ولا أطالب بمنع هذه الأغاني، فقط أطالب بالتوازن؛ بحيث تكون هذه الأغاني التي تحاكي الحركة والجسم بشكل أساسي جنباً إلى جنب مع الألوان الغنائية التي تخاطب الروح والمشاعر.
وهكذا نجد بأن محمد عبد الوهاب أدرك أن التنوع والتغيير سنّة ماضية لن تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا، وأن تنافس الأعمال الفنية حتى وإن تفاوتت في جودتها وقيمتها؛ هي ظاهرة محمودة، لأنه فيما يبدو كان الموسيقار الكبير على ثقة بأن الفن الجيد الذي يمكن قياسه بمعايير شبه موضوعية على الأقل؛ سيفرض نفسه ليبقى الذكرى الجميلة والحاضر المستصحب.
ظاهرة "أغاني المهرجانات" التي اجتاحت مصر وما زالت حتى اليوم، تعبّر بدورها عمّا طرأ من تغيّرات على المزاج والذوق العام جراء تتالي الأحداث السياسية وانعكاسات الأزمات الاقتصادية عقب "ثورات الربيع العربي" وفشلها في إحداث التغيير المنشود ولو مرحليًا، لتغدو أولويات عموم أفراد المجتمع منصرفًة إلى تأمين ضروريات العيش، ومع هكذا حالة تتراجع الموسيقى ذات الطابع الجماعي أو القائمة على الـ "ديالوج" بقوالبها الكلاسيكية والرومنسية، لحساب موسيقى وأغاني ذات صبغة فردية "منولوجية" تركز على قيم ولغة شعبوية تعكس انحسار الأفق الثقافي والسياسي وغلبة النظرة الضيقة والتناول السطحي للمشكلات التي تواجه المجتمع، فتعلو نبرة "الفتونة.. والجدعنة.. والبلطجة.."، ويمكن ملاحظة هذا التحول حتى في الأعمال الدرامية خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث ظهرت مسلسلات اكتسحت الشاشات تقوم في مجملها على معالجة درامية سطحية لأحداث أشد تسطيحاً تدور فوق الأسطح وفي الحواري الشعبية حتى النخاع، مع سيناريو وحوار قوامه حزمة من الجمل التي يكثر فيها السجع والمبالغة في استخدام الألفاظ الغريبة التي قد لا تجدها مستخدمة في الواقع بل قد يكون العمل الدرامي هو من أنتجها وروّج لها. ودائماً ما تكون الشخوص التي يدور هذا الحوار البائس على ألسنتها تتسم بأصوات خشنة أو ذات طبقات عالية نوعاً ما مع وجود خنّة أو خنبة في الأنف وكأن به لحمية تزن أرطال، مع تقطيع و"تنتيع" في الكلمات والعبارات لتعطي المشاهد والمستمع شعوراً بأن الشخصية في حالة سَطَل دائمة.
صحيح أن هذه التحولات الهابطة بالمستوى الإبداعي والحرفي في الموسيقى والدراما ليست بدعاً ولا سابقةً لهذا الوقت الذي نعيشه، فقد شهدت حقبة الثمانينيات من القرن العشرين أفلاما مثل "العار والكيف" وغيرها من الأعمال التي أنتجت وروّجت مسلكيات وشخوصًا وألفاظًا لم تكن مألوفةً في المجتمع وباتت من أدوات إظهار "الفهلوة والفتونة والبلطجة"، إلا أن هذه الأعمال كانت الاستثناء الذي يثور حوله الجدل وليس القاعدة التي تقبلها فئات المجتمع كافة دون قيد أو شرط.
أصحاب تيار مواجهة التغيير بالاجتثاث، ينسى بعضهم أو يتناسى أن بعض كبار المطربين والملحنين كانوا في مرحلة من مراحل حياتهم جزءًا من المنظومة التي اتهمت بـ "إفساد الذوق العام وتحقير الموسيقى"، كيف لا وأم كلثوم نفسها، على سبيل المثال، غنت في بداية مشوارها الفني أغاني صنّفت بأنها "خليعة"، ولعل أشهرها أغنية "الخلاعة والدلاعة مذهبي": https://www.youtube.com/watch?v=tJi0hC2vVwI،
كما أن محمد عبد الوهاب غنى في بداياته أغنية "فيك عشرة كوتشينة في البلكونة" من ألحان سيد درويش والتي صنّفت في حينها أيضاً على أنها من "الأغاني الخليعة": https://www.youtube.com/watch?v=gRlIXY0ImDM،
ناهيك عن أغنية "التحفجية" التي غنى فيها سيد درويش عن "الجوزة والحشاشين"،
https://www.youtube.com/watch?v=j_lv58r7mEc.
مع ذلك كله، لم ينكر هؤلاء الفنانون أداءهم لتلك الأغاني معتبرينها نقطةً عابرةً متوقعةً في بداية مشوارهم ضمن سياقه الزماني والمكاني.
الحرب الشرسة التي أعلنها نقيب الفنانين السابق في مصر هاني شاكر ضد مؤدي ما يسمى بـ "أغاني المهرجانات" وما اتسمت به من تصرفات لا تخلو من العبث والسطحية، بل وانتهاك الحرية الشخصية لبعض هؤلاء المؤدين حينما تم اشتراط تغييرهم لأسمائهم التي عرفوا بها مثل (كزبرة.. وشاكوش.. وبيكة..) بوصف ذلك شرطاً لرفع الحجر والحجب عنهم، هذا طبعاً بالإضافة إلى اشتراط انضباط الألحان والكلمات عند المعايير التي أرادها النقيب السابق، وهو ما تستعصي طبيعته على الضبط بمعيار موضوعي محض كما هو الحال في تذوق سائر أشكال الفنون وتقييمها.
لا شك أن نوايا الفنان هاني شاكر طيبة وأهدافه نبيلة، وربما كانت ردة فعله العنيفة ضد أغاني ومطربي "المهرجانات" مردّها انتماؤه لعصر كلاسيكي اتسم بالرصانة الموسيقية والغناء الموزون والمتوازن، لكن ما لم يلتفت إليه هاني شاكر هو استحالة السيطرة على الساحة الغنائية وتطويع وتوجيه الذوق العام بهذه الطريقة البوليسية، لأن الموسيقى كانت وستظل مرآة تعكس الواقع وأداة تعبر عنه. ومحاولات المنع والحجب والشطب جميعها ضرب في الريح لأنها مقاومة ومقارعة للواقع الذي كما هو اسمه كائن وواقع، فلا يصلح معه إلغاء ولا يمكن إنكاره، فهو شئنا أم أبينا الأقوى مشيئةً وشكيمةً والأقدر على فرض نفسه لأنه نتاج ظروف الحياة وتفاعلاتها، فهو ليس محكومًا بمعادلة أو قانون ولا مرسومًا مسبقاً بريشة فنان حالم.
لا مراء أن تغيير الواقع السيئ واجب، لكن نقطةَ التغيير ومنطلقَه مبتدؤُه من الاعتراف بوجوده وتعرف طبيعته وتحليل نتاجه ونتائجه والاعتراف بقوته. ثم التعامل معه بالمنطق والتفكير وليس بالإنكار والتكسير، والذوق والتذوق مهما حاول المخلصون وغير المخلصين تغييرهما بالقوة الخشنة أو الناعمة فلن يجدوا لذلك سبيلا، والأوفق هو – كما أشار الفنان الراحل محمد عبد الوهاب - تعزيز التوازن بين مختلف الألوان الموسيقية والأذواق المتباينة، مع ضرورة البناء على الجيد منها وتعزيزه ليكون ندّا للرديء غير المستساغ، فلا أخصب للأعمال الرديئة من بيئة يغلب عليها الاستئصال عوضاً عن مقاومة القصيدة بقصيدة والأغنية بأغنية واللوحة بلوحة والمقال بمقال.
كم من أعمال أدبية وفنية ولدت ميتةً وما كان لها أن تستلقي على أرفف المكتبات أو تنام في أروقة معارض الكتب وأجنحتها لولا مساهمة مبغضيها من أئمة اللون الواحد "ويا إمّا زيّنا يا إمّا بلاش" بإحيائها وتضخيمها والترويج لها؛ من خلال ردود أفعالهم الاستئصالية العنيفة، ولك في رواية "آيات شيطانية" للكاتب سلمان رشدي التي صدرت في لندن سنة 1988 عظةٌ وعبرة. هذه الرواية من وجهة نظر عدد من النقاد المحايدين –ومن وجهة نظري- رواية هزيلة من الناحية الأدبية، وهي بالمناسبة رابع رواية يكتبها رشدي، مع ملاحظة أن أول رواية له سنة 1975 قوبلت بتجاهل تام من النقاد والقراء، إلا أن رواية "آيات شيطانية" انتشرت وبيعت منها ملايين النسخ وترجمت إلى عشرات اللغات بعد صدور فتوى الإمام الراحل الخميني بإهدار دم الرجل ومن ينشر ويترجم له، وقد قتل بالفعل أحد مترجمي رشدي اليابانيين طعناً سنة 1991 بينما شرع في قتل مترجم إيطالي لكنه أسعف للمستشفى. وتعرض رشدي نفسه لمحاولات اغتيال عدة. وأفضت الفتوى وما سبقها ولحقها من بيانات تكفير لرشدي وتحريض على قتله إلى شيوع حالة من اللهفة حول العالم لقراءة الرواية وحصد رشدي - بسبب مظلوميته وليس بسبب روايته الهزيلة - جوائز مرموقة ما كان يحلم ربما أن يقف بجوار أحد الحاصلين عليها، هذا بخلاف تكرار ترشيحه للحصول على جائزة نوبل في الآداب. والمتتبع لأعمال رشدي لن يجد صدى طاغيا لأي رواية أخرى من رواياته.
مثل ملايين غيري، لم أعرف "سحر حمدي ولا سلمان رشدي ولا شاكوش وبيكة وكزبر" ولا غيرهم من المختلف عليهم أدبياً وفنياً وأخلاقياً، إلا بعد شنّ حملات التشهير والقمع ضدهم ومحاولات إسكاتهم. فهنيئاً لكل دخيل على الأدب والفن بشيخ بلد عادى الزمن فعاداه، وصفّ غَفَر وعَسَس من زمنه، زمن صيحة: "ها! مين هناك" الذين ينبهون المتسلل ويعلنون غير قاصدين لأهل القرية أجمعين عن وجوده، فيلوذ بالفرار من أمامهم ليجد منفذاً آخر يلج منه لتستقبله جموع الفضوليين الذين لم يكونوا يعرفونه، فيسمعوه ويحتضنوه، بينما صفّ الغَفَر في صياحهم مستمرين يُسمِعون بعضهم بعضاً مؤنسين وحشة غربتهم في حاضر رفضوه فرفضهم وواقع أنكروه فتنكّر لهم.
إذا كانت سياسة "العصا والجزرة" من وجهة نظر البعض قد تؤتي أُكلها في الإدارة والتربية، فإن الجزرة دون شك وحدها هي أداة التطوير والتغيير في الموسيقى من خلال استيعاب التنوع، مع تمكين الفن الأصيل ليجابه الدخيل وتعزيز الذوق الرفيع ليدحض المذاق الوضيع، أما العصا، فليس لها مكان سوى يد المايسترو يوظّفها لقيادة وتنظيم الإبداع وتعليم الاستماع بخشوع واستمتاع.
مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.
https://www.arabmusicacademy.orgأيار 31, 2023
أيار 31, 2023
أيار 31, 2023
أيار 31, 2023
Total Votes: | |
First Vote: | |
Last Vote: |
أيار 31, 2023 Rate: 5.00
أيار 31, 2023 Rate: 5.00
أيار 31, 2023 Rate: 5.00
حزيران 30, 2012 Rate: 5.00
كانون2 03, 2021 Rate: 5.00
كانون2 28, 2021 Rate: 5.00
أيار 07, 2013 Rate: 1.00
أيار 02, 2015 Rate: 1.50
حزيران 30, 2012 Rate: 5.00