arenfrfaestr

مائة عام على ميلاد محمد الموجي.. ناظر الزراعة الذي ردد ألحانه ملايين العرب

وليد اسماعيل

ترك الملحن المصري الشهير محمد الموجي إرثا غنائيا وفنيا كبيرا تجول خلاله بألحانه مع كبار المطربين العرب بدءا بـ "عبد الحليم حافظ" وأم كلثوم مرورا بشادية وصباح ونجاة ووردة وغيرهم عشرات من المطربين الكبار الذي تغنوا بألحانه المبهرة التي ملأت الوجدان العربي طوال عقود مضت ولا زالت تتردد حتى الآن رغم مرور عشرات السنوات على تقديمها.

أمين الموجي الابن الأكبر لمحمد الموجي قال إن "الموجي ترك تراثا موسيقيا كبيرا ربما يتجاوز 2000 عملٍ فنيٍّ تنوع بين الألحان والأعمال السينمائية والتليفزيونية والإذاعية مع أغلب المطربين الكبار على مدار سنوات عمله الفني، وبالرغم من ذلك فإنه ما زال يكتشف أعمالا لوالده لم يكن يعرفها مثل أغنيات لطلال مداح والمطرب المغربي عبد الهادي بلخياط.

ووصف ابن الموجي موسيقى والده بـ "الخالدة التي عاشت منذ أربعينيات القرن الماضي وتحفظها الأجيال وترددها حتى الآن، كما أنها تدرس في المعاهد والأكاديميات الموسيقية بسبب تميزها، بالرغم من أن والده لم يدرس الموسيقى أو يتعلم التدوين الموسيقي بل تعلم الموسيقى بنفسه كهاوٍ أحب الموسيقى والغناء من والده الذي كان مولعا بالموسيقى وكان لديه عود في منزله".

       
البداية من كفر الشيخ ودراسة الزراعة

ولد محمد الموجي في محافظة كفر الشيخ وكان والده يحلم أن يكون ابنه ناظرا للزراعة بسبب المكانة التي كان يتمتع بها أصحاب هذه المهنة، وبالفعل درس الموجي الزراعة وبعد تخرجه أصبح ناظرا للزراعة، وتزوج من إحدى قريباته لكنه لم ينس حلمه بالموسيقى والغناء فكان يعزف بين أصدقائه ويقدم لهم ألحانا يقوم بتأليفها حتى نصحوه بالتوجه للقاهرة ومحاولة الالتحاق بالإذاعة.

وأوضح أمين الموجي أن والده "حين ذهب إلى القاهرة كان يطمح أن يكون مطربا واشتغل في الكازينوهات مثل كازينو بديعة مصابني الذي كان شهيرا حينها وغنى فيه كبار النجوم المصريين، وحين تقدم للإذاعة المصرية للحصول على الاعتماد منها كان يريد أن يكون مطربا لكن اللجنة رأت أنه ملحن موهوب واعتمدته كملحن وبعدها بدأ رحلته مع الموسيقى.

التقى محمد الموجي في ذلك الوقت بعبد الحليم حافظ الذي كان شابا مثله يبحث عن فرصة للنجاح والشهرة، وكانا يذهبان معا للغناء في المسارح. ويتذكر ابن الموجي تلك الفترة قائلا: "ذهب والدي وعبد الحليم لتقديم أغاني في الإسكندرية وقررا تقديم أغنيتهما - صافيني مرة- لكن الجمهور لم يتقبلها وطلب إليهما مدير المسرح تغييرها، وحدث خلاف بينهما وبين صاحب المسرح شاهدته الراقصة الشهيرة وقتها تحية كاريوكا فطلبت إلى مدير المسرح أن يتركهما يغنيان أغنيتهما لكنه رفض فغادرت معهما المسرح وأخذتهما إلى مسرح آخر غنيا فيه أغنيتهما أثناء رقصها وبعد انتهاء الحفل أعطت كلا منهما خمسة جنيهات ليصرفا منها وطلبت إليهما العودة للقاهرة والإصرار على تقديم أغانيهما  لأنهما موهوبان وسينجحان بتلك الأغاني الجديدة".

صافيني مرة.. أغنية التآلف مع عبد الحليم حافظ

بعد ثلاث سنوات من المحاولات قدم الموجي وعبد الحليم أغنيتهما في حفل في بداية الخمسينيات من القرن الماضي في حفل حضره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقدمه الممثل الشهير يوسف وهبي وكانت بداية نجاحهما معا والذي امتد لتقديم عشرات الأغاني التي تغنى بها الجمهور في كل البلاد العربية مثل "حبيبها" و"رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان" التي كانت آخر ما قدمه عبد الحليم حافظ قبل وفاته.

وبالرغم من العلاقة الوطيدة التي ربطت الموجي وعبد الحليم حافظ إلا إنها لم تخل من الخلافات والقطيعة أحيانًا، كما أكد ابن الموجي؛ مثل ما حدث عندما اعترض والده على أجره في تلحين أغنية "بأمر الحب" لعبد الحليم وعلم وقتها أن السبب في عدم زيادة أجره هو عبد الحليم نفسه، ولذلك رفض إكمال اللحن رغم محاولات عبد الحليم وانتهى الأمر بملحن آخر أكمل الأغنية، وبدأت قطيعة استمرت فترة قصيرة بعد تلك الأزمة لكن نظرا لأن كليهما كان يحب الآخر بصدق عادا للعمل معا.       
ويتذكر أمين الموجي موقفا آخر لا ينسى بين والده وعبد الحليم حافظ حين كان والده سيتزوج راقصة وعندما علم عبد الحليم حاول إرغامه على عدم إتمام الزيجة لدرجة أن عبد الحليم بكى لوالده وقال له: "لا أريد أن يقول الموسيقيون وأنت داخل معهد الموسيقى العربية إن الموجي تزوج من راقصة"، وبسبب بكاء عبد الحليم استجاب الموجي ولم يكمل تلك الزيجة.

النجاح الكبير الذي حققه محمد الموجي دفع أم كلثوم المعروفة بسيدة الغناء العربي لطلبه في بيتها وكانت وقتها نقيب الموسيقيين المصريين، ويحكي أمين الموجي أن والده "خاف حينها من لقاء أم كلثوم لأنه خشي ان يكون فعل أمرا أغضبها، لكنه ذهب إليها في بيتها فوجدها تنتظره مع الشاعر الكبير أحمد رامي والموسيقي محمد القصبجي. وطلبت إليه تلحين أغنية لها وكانت "نشيد الجلاء" الذي كانت تحضره لإحدى الحفلات الرسمية فتخوف الموجي وطلب إليها أن يبدأ عمله معها بأغنية خفيفة ثم يلحن لها قصيدة، لكن أصرت على موقفها. وبالفعل قدم لها لحن "نشيد الجلاء" الذي حقق نجاحا كبيرا دفعها للتعاون معه مجددا في أكثر من أغنية وقصيدة.

ومثل عبد الحليم حافظ نالت الخلافات من علاقة الموجي وأم كلثوم. لكن هذه المرة وصلت إلى المحكمة بسبب أغنية "للصبر حدود"، إذ يقول ابن الموجي، "كان والدي وقع عقدا مع أم كلثوم لتقديم الأغنية خلال شهر من توقيع العقد لكنه كان منشغلا بأغاني أخرى ولم يكمل اللحن. وكانت أم كلثوم تتصل به في بيتنا ولا تجده وتخبرها أمي أنه ذهب للقاء شادية أو عبد الحليم فأقامت ضده دعوى قضائية بسبب تأخره في إنهاء اللحن. وحينما وقف أمام القاضي، أخبره أن اللحن عمل فني يأتي بإلهام وليس بالأمر، فقال القاضي له إنه لن يحكم عليه بحبس أو غرامة، وإنما سيحكم عليه بتلحين الأغنية لأم كلثوم وهو ما حدث بالفعل وحققت الأغنية نجاحا كبيرًا، ولا يزال الجمهور يحفظها ويرددها حتى الآن".

مدرسة الأصوات والأوبرا.. أحلام لم تكتمل

وتذكر أمين الموجي أحلام والده والتي انتهى بعضها بقسوة، قائلا: "كان محمد الموجي يحلم بتكوين مدرسة للأصوات الغنائية الشابة لتعليمها الموسيقى والغناء؛ وبالفعل أنشأها في الستينيات وقدم من خلالها اصواتا كثيرة مثل محرم فؤاد وماهر العطار وشريفة فاضل وغيرهم لكنه لم يستطع الاستمرار بسبب المجهود والتكلفة الكبيرة. فطلب إلى المسؤولين حينها أن يقدموا الدعم للمدرسة لكنهم لم يهتموا فأغلقت المدرسة أبوابها.

وكان الموجي يتمنى قبل رحيله عام 1995 أن يقدم عملا أوبراليًا لدار الأوبرا المصرية، وكذلك إنشاء أوركسترا تؤدي جميع أعماله وموسيقاه، وهو الحلم الذي توفى قبل أن يرى النور. وتمنى ابنه الأكبر أن يقام له جناح أو قاعة في معهد الموسيقى العربية تضم مقتنياته وأعماله الموسيقية مثل أستاذه محمد عبد الوهاب.

المؤلف الموسيقي أحمد الموجي حفيد محمد الموجي قال لموقع "الحرة" إنه " يعمل حاليا على مشروع موسيقي لإحياء التراث الموسيقي لجده، وبالرغم من صعوبة المهمة بسبب الإرث الفني الكبير ووجود أغلبه على أشرطة قديمة تتطلب جهدًا كبيرًا لتحويلها إلى نسخ ديجيتال صالحة للعرض حاليًا، إلا إنه يعمل على هذا المشروع منذ فترة، واستطاع بالفعل إنجاز جزء منه لكن يتمنى أن تكون هناك مؤسسة تعمل معه على إتمامه".

وشرح حفيد الموجي أهم سمات موسيقى جده التي تمثلت في "بساطة اللحن للجمهور للدرجة التي تشعره بجمله الموسيقية بمجرد سماعها على الرغم من كونها موسيقيًا جملًا صعبة جدا وعميقة، مثل ما حدث في قصيدتي "رسالة من تحت الماء و"قارئة الفنجان". وعلى الرغم من أنه لم يكن قد درس الموسيقى بل كان يعلم أوتار العود بأقلام الكوبية حتى يعرف أن الأوتار حين تنزل عن العلامة أنها بحاجة إلى إصلاح حتى تخرج منها النغمة مضبوطة".

اعتاد الموجي في كل أغانيه وأعماله الموسيقية أن يكتب الكلمات الخاصة بها بخط يده ويكتب بياناتها عليها حتى يقوم باستيعابها بشكل أفضل ويتمكن من كتابة ملاحظاته على هوامش الأوراق ولذلك وجدت أسرته عددا كبيرا من الأوراق التي تحمل أغانيه بخط يده وملاحظاته على الجمل الشعرية والألحان والمدونات الموسيقية.

المصدر: الحرة

Rate this item
(1 Vote)
Last modified on الإثنين, 01 أيار 2023 11:43
مجلة الموسيقى العربية

مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.

https://www.arabmusicacademy.org

link

 

ama

اشترك في قائمتنا البريدية

Please enable the javascript to submit this form

هل تؤثر الموسيقى الآلية في وجدان الشعوب العربية مثلما تؤثر الأغاني؟
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
Total Votes:
First Vote:
Last Vote:
Copyright © 2012 - ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved, Designed and Powered by ENANA.COM